بقلم : حنان الشيمي
كانت مشرقةً كشمسِ النهارِ .. كحلم ورديٍّ، تفيض حبًّا على من حولها، تعتني بأمِّ زوجها القعيدة وتلبي طلباتها،
تصلح بين إخوة زوجها وزوجاتهم، تدرِّبهن على العطاء،
تتفنن في مودة الجميع، حتى كسبت زينة ثقتهم قبل حبِّهم .
أما عن زوجها فهو أميرها .. سلَّمته شراع سفينتها .. فكان ربانها، تتفقَّد أمره كأمٍّ حانيةٍ، تنيرُ حياته بمرحها وبهجتها، تملأ قلبه دفئًا بحبها وأنوثتها .
كان يحبها منذ الطفولة؛ فهي جارتهم، وحينما تقدم إليها خاطبًا، رقصت عيونها فرحًا، وتم الزواج ..
تمر السنوات ولا تنجب، يبدأ الهمس ثم الغمز واللمز ..
كانت أمه سيدة ريفية تخشى على الأرض والمال، تصحو وتنام تردد نفس السؤال: (ها؟! مفيش حاجة جاية في السكة؟).
تناديها بالعاقر وتنعتها بالأرض البور ..
كم بكت ليالٍ طوال، سجدت .. ودَعَت ربها أن يرزقها الذرية الصالحة ..
وفاض كيل الأم .. وبدأت تلح على ابنها في الزواج ..
يتذمر الابن ويتشاجر مع والدته مرة .. ومرات ..
لكن زينة تأبى إلا أن تكون بلسم جراح، وحمامة سلام في الأسرة،
وفي إحدى المشاجرات علا صوته على أمه، وعنَّفها بقسوة بعد أن طلبت منه أن يطلقها، فلا أمل منها وهي تريد ولدًا يرِث المال والأرض .. يحمل اسم العائلة .. يصير سنده ووتده ..
أحسَّت بالعجز والقهر بعد أن ذهبت إلى الأطباء فأكَّدوا سلامتها، وطلبوا فحص الزوج، وعندها ثارت الأم والزوج معًا، ورفضا رفضًا قاطعًا ..
فالرجل عندهم كاملٌ .. غير منقوص، أما العيب فمن نصيبها هي،
ولأن حبها له بعض إيمانها .. آثرت ألا تكون سببًا في عقوق زوجها ..
جمعت ملابسها ورحلت في صمت .. وطلبت منه طلاقًا كريمًا يحفظ احترامها له، ولأنه أحبها بصدقٍ لم يُرِدْ جرحها وإيلامها أكثر من ذلك ..
طلَّقها وتزوج بأخرى، ما إن دخلت امنزل
حتى أشعلت فيه الحرائق ..
تُوقع بين هذا وذاك، تعادي هذه .. تغتاب تلك.
حتى الأم التي كانت مكرَّمة أهانتها .. وأوغرت صدر ابنها عليها .. وتأففت من خدمتها، حتى أودعها عند أخته بعد مشاجرة حامية سمع بها القاصي والداني، صارت حياته باردة جافة ..
ويلتقي بحبيبة قلبه وقرة عينه تصعد الدَّرج، إنها المرة الأولى التي يراها بعدما تزوَّج، وعَلِمَ أنها تزوَّجت بعد فترة ..
يقف قليلًا .. مشدوهًا .. بينما هي تحمل طفلًا صغيرًا بين ذراعيها، وزوجها يمسك بها،
هبط الدَّرَجَ، وهبطت معه أمنياته وأحلامه، وشعور بأنه يهوى إلى سحيق .. منتهاه قبر.
وتُسارع زوجته في اللحاق به .. مُقرعة إياه .. نادبة حظَّها العَثِر .. وزواجها منه .. ولا أمل في الإنجاب.
كان الدَّرجُ طويلًا حتى ظنَّ أنه لن ينتهي شاهدًا على حبٍّ وُلِدَ، وجراحٍ لن تموت .